صداقة مع ابن شقيق فيتغنشتاين

انتهيت من قراءة كتاب صداقة مع ابن شقيق فيتغنشتاين وهي مذكرات كتبها توماس برنهارد عن صديقه باول، وهي مذكرة جميلة ، لكن الذي استوقفني كثيراً رأي توماس عن الأرياف والطبيعة وعن المدينة يقول توماس (عندما أعيش في الأرياف دون حافز فكري، فإن ذهني يضمر، لأن رأسي كلّه يضمر. في المدن لا أمرّ بهذه الخبرات الكارثية. إن الذين يهجرون المدن الكبرى ويريدون أن يحافظوا في الأرياف على مستواهم الذهني – كما يقول باول – لا بدّ أن يتزوّدوا بطاقةٍ رهيبة، أي بخزينٍ لا ينفد من المادة الذهنية؛ ولكن حتى هؤلاء يصلون، إن آجلاً أو عاجلاً، إلى مرحلة الجمود والضمور، وغالباً ما يلاحظون هذا الضمور، ولكن بعد فوات الأوان، فينكمشون رغماً عنهم، ويتضاءلون حقاً، ولا يجدي شيء لإيقاف ذلك. وهكذا تعوّدت – في كلّ تلك السنوات التي استمرت فيها صداقتي مع باول على الإيقاع المتغيّر اللازم لوجودي: بين المدينة والريف، وأنوي المحافظة على هذا الإيقاع حتى نهاية حياتي؛ على الأقل مرّة كلّ أسبوعين إلى فيينا، وعلى الأقل مرّة كلّ أسبوعين إلى الريف، فالرأس يصبح خاوياً في الريف بالسرعة نفسها التي يتشبّع بها في فيينا، بل إنه في الحقيقة يصبح في الريف خاوياً على نحو أسرع من تشبّعه في المدينة، فالريف يتعامل مع الرأس واهتماماته على نحو بشع، أبشع مما تفعل المدينة، أعني المدينة الكبيرة. يسلب الريف الإنسان المفكر كلّ شيء، ولا يمنحه أيّ شيء (تقريباً)، بينما لا تتوقف المدينة الكبيرة عن العطاء، ليس على المرء بالطبع إلا أن يفتح عينيه، ويستقبل بحواسّه. لكن قليلين من الناس يرون ذلك ويشعرون به، وهكذا يجذبهم الريف على نحو عاطفي مقزّز، وهناك يُفَرَّغون ذهنياً في أقصر وقت، إلى أن يشعروا بالخواء التام، ويكون مصيرهم الهلاك. لا يمكن أن يتطور الذهن في الريف أبداً. هذا لا يحدث إلا في المدينة الكبيرة. ولكن كلّ الناس يركضون اليوم من المدينة إلى الريف، لأنهم في الحقيقة أكثر كسلاً من أن يستخدموا رؤوسهم التي تواجه في المدينة الكبيرة تحدّياً مستمرّاً. هذه هي الحقيقة إنهم يفضّلون أن يضمُروا في الطبيعة التي – دون أن يعرفوها – يمجّدونها بعاطفية مبتذَلة رخيصة، وعلى نحو أعمى وأحمق. إنهم يفضلون ذلك على الاستفادة من المزايا الهائلة التي تتيحها المدينة الكبيرة، والتي تتكاثر مع الوقت ومع تطور تاريخ المدينة على نحو رائع، خصوصاً في أيامنا. لكنهم على الأرجح عاجزون عن ذلك تماماً. أنا أعرف الريف القاتل، وأهرب منه متى وجدت سبيلاً للعيش في مدينة كبيرة، أيّاً كان اسمها، وأيّاً كان قبحها، فهي بالنسبة لي أفضل ألف مرة من الريف) أتفهم كثيراً محبة أشخاص للمدون وكراهيتهم للأرياف والعكس! شخصياً أفضل الإثنين أفضل المدينة لأجل التقدم وأعيش فيها لأجل توفر وسائل الحياة، لكن أفضل أن تكون لي زيارات أعيش فيها أجواء الطبيعة ، لكن أن يحكم توماس أن الأرياف تعطل العقل أختلف معه تماماً، لو كان هنالك شيء يعطل عقل الإنسان البشري بفكرة توماس فهي المدينة لأن كل ما يتوفر فيها يعطل العقل البشري عن التفكير! لكن برأيي الشخصي هي تعتمد على شخص الإنسان لا على المكان كلما كان شخص الإنسان متأمل ومتفكر وهو من سيجعل للأشياء رونق وجمال ، قبل أيام كنت أتفكر في النبي إبراهيم وعقليته، وكيف كان يتأمل الكواكب بحثاً عن الحق، ووقوفه أمام النمرود ومحاورته له، وكيف كانت ردوده وحججه قوية! وحتى أمام ربه كان يحاوره ، رب أرني كيف تحيي الموتى؟!، عقلية فذ متأملة لم يكن يعيش في المدينة بل بين الطبيعة والأرياف والقرى البسيطة! لذلك أختلف مع ما قاله تومس ، أيضاً لتومس رأي حول الجوائز التي تقدم للأدباء والمفكرين وخاصة التي تكون مقرونة بمال فهو يرها مهينة! أختلف معه إذا عمل الشخص واستحق هذه الجوائز حتى لو كان معها مال ما لذي يمنع!

لتومس رأي عجيب حول المثقفين والمقاهي الثقافية التي يجلسون فيها يتحاورون!

“الهواء في مقاهي الأدباء فاسد دائماً، مزعج للأعصاب، وقاتل للذهن. لم أكتسب هناك أبداً خبرة جديدة، كلّ ما شعرت به في تلك المقاهي هو الإزعاج والتشتّت والاكتئاب العبثي الكامل ”  أتفق مع تومس في مقولته وإن كان بالغ في الوصف كثيراً! 

عموماً مذكرات جميلة فيها الكثير الذي يستوقف النفس والتأمل !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

Scroll to Top