Navigation Menu+

كاتب الرسائل ؟

Posted on فبراير 1, 2022 by in أَدَبٌ وَمُوسِيقَى وَأُغْنِيَاتٌ, رُبَّمَا

تمت زيارة التدوينة: 1520 مرات

 

 

 

 

 

 

أريد أن أخبرك أنني أشعر بعذاب الضمير!

ذلك الشعور القاتل كيف لي أن أصفه لك ؟!

لكنه كمن أدخلوا فيك حيواناً مفترساً رغماً عنك، وأغلقوا فتحته صدرك وفمك، وجعلوه يفترسك من الداخل!

أنا لا أستطيع الإفلات منه  ولا من وطئته!

لذلك سأبوح لك لعل ما أبوح به يخفف شيئاً من عذاباته!

كنت في قريتنا الصغيرة والوحيد الذي يجيد القراءة والكتابة

كنت أرفض أن أعلمهم القراءة والكتابة، وأقنعهم بصعوبتها وأنهم ليسوا بحاجة لها في ظل وجودي!

كنت أحب أراهم جهالاً  يحتاجونني! أشعر بالتشبع وأنني أفضل منهم!

ولا أريد أن أفقد هذا الشعور وأهميتي لديهم!

كنت أكتب رسائلهم ليس كما يملونها علي بل كما أحب أنا!

وكم غيرت أشياء وحرفتها ولم تكن تضرهم كثيراً!

أسوأ ما فعلته ولن أسامح نفسي عليه، وهو سبب عذاباتي !

عندما كانت تأتيني فتاة أقرأ لها رسائل الحب التي تصلها من حبيبها، الذي كان يعمل في القرية، وعندما مرض أبيه سافر لقريتهم، ، كانت تأتي وتجلس تستمع لرسالته، والحب يزهر في وجهها ! ثم تملي علي ما أكتبه له بصوتها الشجي

وكلماتها التي تخرج من قلبها، وكأن قلبها له فم ويتحدث!

كان قلبي يطير!

وأشعر أن هذه الرسائل تكتب لي!

كنت قبل نهاية رسالتها أخطئ لأعيد كتابتها، وأحتفظ بنسخة مما كتبت أسهر الليل أحضن كلماتها وروحها!

أحببتها من كل قلبي!

كانت عندما تأتي يزهر صدري !

أشعر أنني أحلق! تختلط مشاعري!

أبدو كطفل وديع يريد أن يرتمي على صدرها!

كانت أجمل الساعات في حياتي عندما تأتي !

كتب يوماً كلمة أحبك وعلمتها كيف تقرؤها ، كنت أعبر لها عن حبي بطريقة غير مباشرة !

حفظت تلك الكلمة وعرفت شكل كتابتها ، وكانت تحب أن تتهجاها من الورقة عندما يكتب لها حبيبها ذلك !

لم يكن يكدر خاطري إلا عندما اقرأ لها ما يكتب لها حبيبها، وما تمليه هي علي لأكتبه له!

لم أستطع تحمل ذلك فأخذت أحرف الرسائل بطريقتي!

وفي إحدى الرسائل كتبت لحبيبها رسالة

 (أن ما بيننا كان شيئاً من المراهقة، وأن هنالك تاجرٌ صديق لأبي سيتقدم لخطبتي، وأرجو أن تسامحني وتمضي في حياتك)

وقرأت رسالة  على لسان حبيبها

(أن والدي يريدني أن أتزوج ابنة عمي لتساعدني في رعايته، وأرجو أن تسامحيني فلا أستطيع عصيان أبي وهو مريض! فلتمضي في حياتك ولتكوني بخير)

صدمت وانهارت باكية ! ولم أعد أرها إلا قليلاً! وهي تسير في طرقات القريبة ، وأنا أحاول اختلاس النظر إليها!

كانت تبدو شاحبة وحزينة!

بعد فترة جاءتني تحمل رسالة، وعرفت أنها من حبيبها، وقد كان كتب فيها

( لا أعلم كيف مات الحب في قلبك بهذه السهولة، وتخليتي عني لأجل تاجر طرق بابك! ما زلت أحبك ومذ أخبرتني بالحقيقة، وأنا حزين وزاد من حزني موت أبي، إني أعيش مرحلة اكتئاب بين فقدان أبي وفقدانك، فهل تعيدين الأمل لقلبي الحزين وأتي لخطبتك، إن لم توافقي فسأتطوع للقتال في الحرب!  فلا أرى حياتي بعدك وبعد والدي بشيء!)

أخبرتها إنه يقول لها في رسالته أنه

( يرجو أن تسامحيه لو جرح قلبك بقرار الزواج من ابنة عمه ، وهو الآن يريد أن يلبي نداء الوطن فهو ذاهب للحرب، ويرجو أن تسامحيه )

انهارت  باكية!

وأخذتها بين يدي، ودون شعور مني، أخذت أقول لها أنا أحبك ماذا تريدين بشخص تخلى عنك!

أنه يكذب لم يحبك.. أنا أحبك !

تركتني والدموع تملأ عينيها ، وصوت نحيبها يقطع قلبي!

وكتبت رداً على رسالتها

(يؤسفني ما حل  بوالدك ، انتهى ما بيننا ، ولا أرى إلا الحروب تليق بك، وبرجل شجاع مثلك ) وارسلتها بدلاً منها!

بعد فترة رأيتها، ويبدو لي أنها اقتنعت بكل ما كتب!

وقفت أمامها وقلت لها

أنا رجل شريف ولن أتلاعب بعواطفك، إن رضيتي بي سأتقدم لخطبتك!

نظرت لي وصمتت وذهبت!

شعرت أنها مسلمة للأمر وأقرب للموافقة!

ذهبت لوالدها لخطبتها ، لكنه رفض أن يزوجها لي!

اشطت غضباً !

وأغلقت باب دكاني فلم أعد اقرأ للقرية رسائلهم ولا أكتب لهم شيئاً!

وقلت لهم إن أردتم أن أعود للكتابة، واقرأ ما تريدون، أطلبوا من والد  تلك الفتاة أن يوافق على خطبتي منها! أمام ضغطي وضغط أهل القرية وافق والدها، ولكنه ليصعب علي الأمر طلب أن أدفع لها مهراً كبيراً !، مما اضطرني إلى رفع تكاليف القراءة والكتابة على أهل القريبة الذين انزعجوا مني !

قبل زواجنا بأيام وصل ظرف  يحمل ساعة الجيب لحبيبها ورسالة!

وهرعت مسرعة لي لأقرأها كتب فيها

( وأنا هنا على مقربة من الموت ، والموت يحيط بي من كل جانب ، ما زلت لا أصدق أنك تخليتي بسهولة عما كان بيننا ، وبعتي ذلك الحب بثمن بخس! ، لا أستطيع إلا أن أحبك لأخر رمق من حياتي! عندما تصلك رسالتي هذه اعلمي أنني مت وقلبي ممتلأ بحبك ، أحبك )

قلت لها أنه كتب في الرسالة

(طوال الحرب والقتال يشعر بعذاب الضمير لأنه تخلى عنك، لذلك يريد أن تسامحيه ولو بلغك موته ليس لديه سوى ساعته يهديها لك كعربون مسامحه)

أخذت الرسالة والساعة وكانت تكتم حبها، ودمعها عني، وأشعر أنها لا تصدقني!

شعرت بالقهر!

ونار تصطلي في صدري!

كنت أريد أن أخذ الرسالة والساعة واتلفهما  لكنها لم تعطني مجالاً!

ولم أرد أن أتصرف بطريقة خاطئة تفسد زواجنا الذي بعد أيام!

شعور جميل يحتل صدري ويجعلني أبدو أخف ، أشعر أنني أحلق

اليوم سأتزوج بحبيبتي ، آه أريد للوقت أن يركض بأسرع ما يمكنه!

كان يوماً واحتفالاً جميلاً  أليس كذلك؟!

ابتسمت بخجل  وصمتت !

أشعر أنني ملكت الكون بين يدي !

كيف أصف لك شعور الحب وهو يمتلأ في صدري !

وتجد من تحب أمامك أنني ملك يعيش اليوم في ملكه !

لم يطفئ لهب مشاعري وفرحتي سوى تمنعها عني ورفضها  للاقتراب منها!

قلت لعلها خجولة !

لكن بعدها بأيام زادت هذه النفرة التي جرحت قلبي ولم أفهمها!

هل تشعر بشيء ولا تصدقني ؟!

في يوم استيقظت ولم أجدها،  وذهبت أبحث عنها في كل مكان، ولم يتبقى إلا مكان تحب الجلوس فيه ، فوق التلة ، رأيتها من بعيد وجلست أتأملها، وقلبي يعتصر أحبها حباً عميقاً ويؤلمني بعدها ونفرتها مني! ،

مؤلم أن تحب من لا يحبك !

عندما سمعت صوتاً التفتت، وكانت منهارة  تبكي، وعندما رأتني أخذت تصرخ بي، أيها الوغد الماكر ، الكاذب ، أنت لست بشراً   أنت شيطان يمشي على الأرض!

كيف تكذب علي طوال تلك الفترة!

كيف فرقت بيني وبين من أحب!

في آخر رسالة كنت أشعر أنك تكذب!

واليوم قابلت الأستاذ الجديد الذي يدرس الطلبة في القرية وقرأ لي ما كان مكتوباً في الرسالة !

آه أكرهك أيها الحقير!

شعرت بموجة غضب !

شعرت بأن حبي سينهار !

شعرت أن كل أحلامي ستموت!

شعرت أنني سأكشف وسمعتي ستلوث!

شعرت بكل شعور يشعر به!

ودون شعور مني دفعتها من على التلة وسقطت!

أخذت أصرخ واجتمع أهل القرية على صراخي!

كنت في حالة ذهول من كل شيء!

قلت لأهل القرية أنها انزلقت من على التلة !

بكيت من كل قلبي!

وفي حياتي لم أبكي إلا مرتين؟!

مرة عندما تخلى والدي ووالدتي عني بسبب الفقر!

أرسلوني لجدي، اختار أبي أختي ، واختارت أمي أخي ليبقوا!

أما أنا فحمل ثقيل احتيج أن يتخفف منه!

بكيت من كل قلبي!

 بقيت أيام وليالي أتساءل لماذا أنا! ولم يكن أحد أخوتي!

عند جدي التقيت بصياد صديق له، علمني كيف اقرأ وأكتب !

هذه المرة الثانية التي أبكي فيها!

أحبها كيف لي أن أقتلها بهذه السهولة ؟

هل أنا فعلاً شيطان؟!

مرضت بقيت في فراشي لأيام !

وفي ليلة طُرق الباب طرقات قوية!

وعندما فتحت الباب كان والد  زوجتي!

صرخ في..  أيها القاتل قتلت ابنتي! أخبرني المعلم بأمر الرسالة !

جن جنوني وقلت له بغضب هل تصدق رجلاً كان على علاقة بابنتك؟!

ابنتك ليست شريفة! وكانت تغطي فعلتها بالزواج مني!

وغسلت عاري وعارك!

أصمت أو سأفضحك بنشر عار ابنتك!

ولن ترفع رأسك في القرية بعد اليوم!

خرج من عندي مذهولاً  ولا يعلم ماذا يقول ولا من يصدق!

سمعت أنه قتل المعلم ببندقيته! وأنهار وشل!

وأنا حملت ما حملته  من متاع وهربت من القرية !

أكتب لك لتساعدني

لتخلصني من عذاب الضمير!

وكيف لي أن أكفر عن خطاياي؟!

وصلت رسالتك يا صديقتي

أنت إنسان صالح !

مررت بطفولة بائسة،  لكنك لم تقتل أحداً!

لا تسلم لخيالاتك كثيراً،  ولا لضميرك!

ويبدو لي أنك توقفت عن تناول علاجك!

يجب أن تزورني في العيادة بأسرع وقت !

 

طبيبك

 

3 Comments

  1. رائعة حقا والخاتمة بديعة

  2. جميييله لامد بعيييد

  3. مبهرة … ورائعة ومفاجئة جداً

أضف تعليقًا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.