درويشٌ على بابِ السّلام
لكَ الفجرُ، للمُسْتهزِئينَ الهوازِعُ
ولي مِنْكَ يا بْنَ الأكْرمينَ المَطالِعُ
ولي نَقْرُ عُصفورٍ على غَيرِ مَوعِدٍ
معَ الحَبِّ، لكنْ بَيْدرُ الحُبِّ خادِعُ
على ريشِهِ الفِضّيِّ مَوّالُ حِنْطَةٍ
وحَرْفٌ كثيرُ الحُبِّ، حَرْفٌ مُبايِعُ
أنا ذلكَ العُصفورُ، طيَّرَ ريشَهُ
إلى بابِكَ العالي هَوىً لا يُدافَعُ
أتيتُكَ مِنْ تِلقاءِ أمْسيْ وحاضِري
ثَقيلَ الخُطى، فَالخَطْوُ عاصٍ وطائِعُ
حَمَلْتُ على عُكّازَةِ الشَّوقِ لَهْفَتي
وقلباً صغيراً قَدْ أبَتْهُ المراضِعُ
فَما كُلُّ مَن زارَتْ حِمانا (حَليمةٌ)
ولا كُلُّ من يُصغي لِشكوايَ سامِعُ
يَضيقُ عَلَيَّ الشِّعرُ صَوتاً وصُورةً
فآتيكَ مِنْ ضِيقيْ لأنَّكَ شاسِعُ
أُتَرْجِمُ قَلبي مَرّتَينِ وأرْبَعا
وتَلغو فَأمْحو ثُمَّ تَلْغو الأَصابِعُ
وياما أَسَرَّ القلبُ وَجْداً وما دَرى
إذا كنتَ مَنْ يَهْواهُ فَالسِّرُّ ذائِعُ
أُحَمِّلُ ظَهْري ما أُطيقُ مِنَ الهَوى
وما لا، فَما عِنْدي وعِنْدي مَواجِعُ
لِوحدي على بابِ السَّلامِ وواحِدٌ
وأكثرُ مِنّي، إنَّنيْ بِكَ واسِعُ
أُقَدِّمَ رِجْلاً ثُمَّ أُرْجِعُ أُخْتَه
أنا يا أبا الزّهراءِ آتٍ وراجِعُ
فأمْشي ولا أمْشي، وَصَلْتُ ولم أَصِلْ
كَأنِّي وما غَيري هُنا أَتَدافَعُ
أَمامَكَ مَكْسوراً وأَحْمِلُ قَامَت
فَلا أنا مَحْمُولٌ ولا أنا واقِعُ
وَجَدْتُ هُنا نَفْسيْ لِأنّي أَضَعْتُها
زَماناً زَماناً، بَعيداً عَنْكَ فَالكُلُّ ضائِعُ
أَجُرُّ وَرائيْ أَلْفَ مِيلٍ وخَيْبَةٍ
وعِندي ذُنوبٌ لا تَفِيها الذَّرائِعُ
كَأنِّي هُنا (كَعْبٌ) وبانَتْ سُعادُهُ
وما بانَ عَنِّيْ طَيْفُكَ المُتَتابِعُ
فَيا بْنَ التي كانَ القَدِيدُ إِدامَه
وتَشْرَبُ مِنْ كَفَّيْهِ، تَرْوى طَلائِعُ
وقالوا: نَبِيٌّ ثُمّ يَخْصِفُ نَعْلَهُ!!
وسَيِّدُ أخلاقِ الرِّجالِ التَّواضُعُ
وقالوا: يَتيمٌ قُلْتُ: والحُسْنُ هكَذا
وقالوا: فَقيرٌ، قُلْتُ: للهِ بَائِعُ
لَقَدْ حَمَلَ الدُّنيا على كَفِّ قَلْبِه
وصارعَ كَيْ نَحْيا الذيْ لا يُصارَعُ
يُعاتِبُني في الحُبِّ مَنْ لم يَبِتْ لَهُ
على أرَقٍ أوْ هَيَّجَتْهُ السَّواجِعُ
وإنَّ أَقَلَّ الحُبِّ جَفْنٌ مُسَهَّدٌ
وقَلْبٌ على جَمْرِ الغَضا ومَدامِعُ
ومَنْ كُنْتَ في عَيْنَيْهِ فَالنَّومُ عِنْدَهُ
حَرامٌ حَرامٌ، وفي شَرعِ الهَوى فَهْوَ قاطِعُ
لِأنَّكَ في قَلْبي نَبِيٌّ وجَنّةٌ
فَحَرْفِيَ مِحْرابٌ ونَصِّيَ جامِعُ
أُحِبُّكَ يا خُبْزَ الدَّراويشِ إذْ أنا
على البابِ درويشٌ وإذْ أنا جائِعُ
لقَدْ قِيلَ ليْ عَنْكَ الكَثيرُ وقِيلَ ليْ
وأَرْجَى الذي قَدْ قِيلَ: أنَّكَ شافِعُ
رُزِقْتُ مِنَ الشِّعرِ الجَميلِ عَرائِسا
بِمَدْحِكَ، يا حَظِّي الذي لا يُنازَعُ
فَأَرْوَعُ شِعْرٍ قِيلَ شِعرٌ رَضِيْتَهُ
فَإِنْ تَرْضَ عَنْ شِعْري فَكَمْ أنا رائِعُ!
أنس ابراهيم الدغيم