Navigation Menu+

البرادة ؟!!

Posted on يوليو 27, 2021 by in أَدَبٌ وَمُوسِيقَى وَأُغْنِيَاتٌ

تمت زيارة التدوينة: 1361 مرات

 

 

هل تخبرني يا مهنا أول مرة بدأت معك الحالة، أو شعرت بالتغيير في داخلك؟!

يا دكتور اللحظة التي شعرت معها بالتغير هي يوم شربت من البرادة؟!!

البرادة؟!!

اي البرادة!

أول سنة دخلت فيها المدرسة كانت البرادة بنسبة لي شيئاً غريباً جداً !

 كنت كل يوم في الفسحة أجلس أتأملها من بعيد!

 وأراقب الطلاب وهم يشربون منها!

ولأن أمي كانت دائماً تحذرني من كل شيء!

 انتبه من الناس!

 لا أحد يلمسك!

 لا تأكل ولا تشرب شيئاً من أحد!

كنت خائفاً من البرادة !

ويوم أخبرت أمي عن البرادة!

قالت لي برعب:

 “يا ويلك لو تشرب من البرادة عشان

ما تجيك الأمراض!!”

وقالت كلمتها الشهيرة!

 ” اللي ما يطيع أمه يدخل النار!

لأن طاعة الله من طاعة الوالدين!”

وسمعت كلامها!

لكن كل ما مررت من البرادة

و شاهدت أصدقائي والطلاب يشربون منها

ومنظرهم وهم يتشبثون بها ويضعون أفواههم على صنبورها

 كانت مغريه لي!

أجد في داخلي شيئاً يدفعني، وكلما تقدمت تذكرت كلمات أمي وغضب الله!

وعدت أدراجي!

لكن في يوم كنت خارجاً لدورة المياه ولمحتها من بعيد!

 الساحة فارغة من الطلاب

لم يكن فيها إلا أنا وهي!

 قررت في لحظة سريعة وأن لا أستمع للأصوات في داخلي!

وانطلقت لها بأقصى سرعتي!

وتشبثت بها حتى وصلت لفاهها وشربت!

شربت

شربت!

 حتى شعرت أن لا موضع في داخلي

إلا وابتل منها!

 شعرت بشعور جميل!

 لحظة انتصار مبهجة كنت أبتسم لها في داخلي!

 لكن ما لبثت حتى تبدد هذا الشعور

في داخلي!

وتلبسني عذاب ضمير قاتل!

 شعرت أنني خنت أمي !!

وأغضبت ربي!

ما إن فتحت الباب لي ورأيت وجهها، واحتضنتني بين ذراعيها!

 حتى زادت مواجعي أكثر وأكثر!

أصبت بالحمى وبقيت لأيام في فراشي!

 كانت أمي تردد  “أكيد عين أصابتك” بعدما  استلمت تقرير الشهر الأول من الاختبارات وفيها أنني الأول على فصلي!

تقول أمي أن أم محمد جارتنا تحسدني لأني أعرف أقرأ وأكتب وابنها لم يستطع ذلك!

كلما وضعت أمي يدها على صدري تدهنني بالزيت المقري!

ونظرت في عينيها والخوف يملؤها علي، زاد ألمي وعذاب ضميري !

وددت أن أقول لها سامحيني يا أمي !

لأول مرة لا أطيعها!

 لأول مرة أعصي الله !!

عدت بعد أيام لمدرستي ، وكلما مررت بجانب البرادة تذكرت جرمي!

أصبحت أهرب منها !

 أشيح بوجهي عنها لا أريد رؤيتها!

يقتلني عذاب الضمير كلما شاهدتها

أو تذكرتها!

لكن حدث أمر زاد من تعبي!

في يوم كنا  نلعب كرة قدم ، وعندما سجلت هدفاً لفريقي!

 أخذت  أركض في الملعب فرحاً بهذا الهدف وخلفي أصدقائي يركضون ، احتضنني صديقي !

تذكرت حديث أمي انتبه أن يحضنك أحد!

انتبه أن  يلمسك أحد!

 لا شعورياً انقضضت على صديقي أضربه وأركله!

لم يفكه من بين يدي إلا تدخل المعلمين!

استدعي والدي، ووالد الطالب قدم شكوى علي!

وكان والدي ووالدتي طوال الوقت يسألونني لماذا ضربت صديقك ؟!

 وأنا أجيب لا أعلم!!

كنت أخشى إن تحدثت أن تدفعني نفسي للحديث عن قصة البرادة التي أخفيها عن أمي!

 أصبحت أمي مقتنعة بأنني مصاب بالعين ومحسود!!

 أخذت تذهب بي من شيخ لشيخ!

بدأت أقتنع مع السنوات بما تقوله !

خاصة بعد عدة مواقف متكررة حدثت لي!

في يوم غصصت بلقمتي بعدما رأيت زميلي ينظر لي!!

ويوم سقطت ساعتي وانكسرت بعد  مدح  زميلي لي!!

 كانت أمي تقول لا يأتي من الناس سوى المضرة !

لا تثق بالناس !!

مع السنوات انعزلت عنهم، وأصبحت أعيش لوحدي!

أصبت بالوساوس،  ومرت علي أيام اكتئبت فيها!

اضطررت معها أن أذهب لطبيب نفسي!

 لم أستطع اكمال دراستي الجامعية رغم نسبتي العالية، ودخولي لقسم الطب!

 لم أستطع التعايش مع عالم الجامعة مثلما تعايشت معه في المدرسة!

 بقيت حبيس البيت وعالمي !

 لم يكن يبهج خاطري ويشعرني بوجودي سوى جود!

جود .. التي تعرفت عليها في عالم الإنترنت، أحببتها وأحبتني، ثلاث سنوات كانت دائماً تسألني ؟

ألا تريد أن تراني ؟!

وأنا في داخلي كل شيء يريدها، ويريد أن يراها !

لكني كنت أهرب !

لم أخبرها بمرضي.. بكل ما لدي !

يوماً استيقظت وفي داخلي رغبة شديدة للقائها!

 بأن أبوح لها عما في داخلي لها

وجهاً لوجه!

أن أخبرها أنها الوحيدة في هذا الكون التي أثق بها !

أنني أحبها ، ولا أتخيل حياتي بدونها!

أنني أريد أن أكمل حياتي معها !

أردت أن أخبرها عن حقيقة حياتي ،  وأنني أريد تغيرها للأفضل!

لم أنم تلك الليلة التي كنت سأقابلها فيها من فرط شوقي وخوفي!

الطريق طويلة التي تحملني لها!

 ما إن وصلت للمكان

لطاولة التي اخترناها

ومددت يدي لسلام عليها

كانت يدي تفضح كل ما بداخلي!

 ترتجف ارتجافة تقتلني !

لاحظت جود ذلك وأمسكت بيدي واحتضنتني!

ما إن احتضنتني حتى تذكرت كل نصائح أمي!

تحذيراتها التي تقلقني

دفعتها لا شعورياً عني!

كان الوضع مربكاً!!

لم أستطع لملمة الأمر!

 جلسنا على الطاولة نحاول أن نتجاذب أطراف الحديث!

لكن أي حديث ؟!! بعد هذا الموقف!

استأذنت جود وغادرت!

لم أستطع إصلاح الأمر!

 ولم أستطع أن أخبرها  أنني أحبها وأنها كل حياتي !

 ولم أستطع أن أخبرها بحالي!

 ولم أستطع أن أطوي صفحة حياتي لأبدأ معها من جديد!

عدت لعالمي وأنا أشعر بارتباك الموقف في داخلي !

 شعرت بداخلي يضيع أكثر وأكثر!

 بقيت صامتاً طوال الليل أتأمل سقف غرفتي!

بعد ساعات أرسلت لي جود رسالة قالت فيها

 أريد أن أسألك سؤالاً واحداً ؟!

هل أنت رجل ؟!!

 لم أرى فيك أي رجولة!

 وأنت واقف أمامي ترتجف كالنساء وتدفعني عنك!!

فتت فؤادي رسالتها!

 أصابتني في مقتل!

 لم أرد

وبقيت أياماً مريضاً وأبكي في فراشي كطفل فقد أمه!

هي الوحيدة التي وثقت بها دون العالمين!

رغم تحذيرات أمي التي تمشي في عروقي!

أحببتها من كل قلبي، وكنت سأوفيها هذا الحب طوال حياتي! ولن أبغي لها بديلاً!

 كنت أرسم خيالات حياتي معها!

 أرى أطفالنا ..أرى كل شيء معها!

لم أستطع أن أخبرها طوال تلك السنوات بمرضي

 خوف أن أفقدها!

وفقدتها في الوقت الذي قررت أن أبوح لها بكل شيء وأغير حياتي!

رحلت بعد تلك الرسالة وتركتني!

عندما ماتت أمي ولحقت بأبي

أصر أخي أن يأخذني لأسكن معه!

 كنت أرفض لأنني لم أفقد عقلي وأستطيع تدبر أمري لوحدي!

 لكنه كان مصراً، وأن وصية أمي له بأن لا يتركني لوحدي! وعلي أن أستجيب لطلبه لتنفيذ وصيتها براً بأمي!

ذهبت لبيت أخي وسكنت في ملحق بعدما كنت أعيش في بيت كبير ومستقل! بعد أشهر باع أخي بيتنا!

في يوم تهاوشت مع أخي بعدما  سمعت كلاماً من زوجته ضايقني، طالبته بورثي لأنني أريد أن أشتري بيتاً لي وأسكن فيه ولا أضايق أحداً! ، أنكر أخي أن لي ورثاً!، وأنه صرف ورثي كله على أكلي وشربي وعلاجي! لكني أعرف أن ما تركه والدي ووالدتي أكثر بكثير مما يوهمني به أخي!

صمت، لأنني لا أستطيع أن أثبت حقي فأنا مريض ويستطيع إثبات عجزي!! بقيت في ملحقي أربي ما لدي من حيوانات، وأسقي نباتاتي التي زرعتها،

 أحاول أن أساير الحياة علها أن تسير بي!

لكن في يوم كنت نائماً ومستغرقاً بالنوم ، انقض علي أخي وأخذ يضربني!! وأنا لا أعرف ما القصة و ما به!

يتفوهه بكلمات لا أفهمها!

 ما لبث أن دخل بيته وعاد ببندقية وقتل قطتي التي أحبها !

وما إن رأيته يقتل قطتي!

من صادقتها دون البشر!

حتى سحبت سكيناً كانت أمامي وطعنته في كتفه!

 طردني أخي من البيت!

علمت بعدها أن قطتي أخافت زوجته في ليلة من الليالي وهي عائدة، وكانت حاملاً بطفلهم الأول وسقط الجنين!

بقيت أهيم في الشوارع

 أنزوي في أماكن حتى لا أرى! أبيت بلا أكل!

حذرتني أمي يا دكتور من الناس جميعهم

لكنها نسيت أن تحذرني من أخي!!!

لعل إمام الحي لاحظني ، ربما عرف شيئاً عن حالي، أعطاني غرفة في المسجد على أن أهتم بالمسجد، وأن أؤذن عند غياب المؤذن

علمت أن أخي باع بيته ونقل من الحي!

بقيت أسكن في هذه الغرفة وأدير ما طلب مني على أكمل وجه ، لكن لم يكن يكدر خاطري سوى  “برادة المسجد” عندما أدخل غرفتي أراها!

وعندما أخرج من غرفتي أراها!

 تذكرني ببدايات تعبي بضميري الذي

لا أستطيع ضبطه!

مجرد أن أراها تشحن شيئاً في داخلي

لا أحبه!

في ليلة من الليالي، توجعت لحالي،  أشفقت على نفسي، على وحدتي، تذكرت أمي التي أورثتني عللها!،

وكنت ابنها البكر ضحية كل شيء! وفأر التجارب!

تذكرت ضعف أبي وكيف كان مسلوب الإرادة أمام أمي!

 تذكرت نكران أخي وجحوده لي!

 تذكرت جود التي وثقت بها وأحببتها دون الناس!

تذكرت قطتي التي أحبها وفقدتها !

 تذكرت أنني رجل خالي من كل شيء ولا يملك أي شيء!

انقضضت على البرادة  أكسرها !

أبكي وأصرخ عليها ! انهرت ولم أكن أعي بنفسي!

أيقظ صوتي إمام المسجد ومن يسكنون بالقرب منه

لم أدرك أن الساعة كانت الثالثة فجراً عندما أرعبتهم!

حملني إمام المسجد وأحضرني للمستشفى وأنا الآن أمامك يادكتور !

 

 

هنا أتوقف إذا أردت خاتمة مفتوحة

***

إذا كنت أريد أن تكون خاتمة مغلقة ستكون هكذا

الدكتور

 

 

بما أنك حطمت البرادة فأنت حطمت الأوهام وكل شيء في داخلك!

 فلا تحتاج لأي علاج

تستطيع أن تذهب !

وفي الحياة ما هو جميل ينتظرك !

 

انتهت

 

  • القصة كتبت كفكرة لفيلم قصير لذلك حاولت اختصارها دون وصف كثير من المشاهد والوقوف عليها

1 Comment

  1. شعرت بأسى والم عميق،، اردت البكاء نيابة عنه،، ارجوك اكتبي نهايه أخرى سعيده،، مفصله،، اذكري جلسات العلاج السلوكي وكيف تتحسن حياته ونفسيته ويتغلب على جلد الذات، ويكسر كل البرمجيات التي وضعوها في دماغه

أضف تعليقًا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.